كل أب وأم يحلمان بأن يكون ابنهما طبيبا أو مهندسا وتسقط بعد ذلك المهارات والإهتمامات الأخري، حيث أننا تعودنا أن نعطي تقديرا عاليا للطالب المتميز في قدراته اللغوية أو الحسابية.
وإذا أحرز الدرجات النهائية في هاتين المادتين نعتبر ذلك من علامات التفوق والنبوغ، أما القدرات والملكات الأخري التي لديه فلا تأخذ منا نفس الإهتمام، وربما يؤدي هذا بالأبوين في البيت أو المدرسين في المدرسة أن يهتموا بأولئك الطلاب المتفوقين في المواد التقليدية التي تحتاج للقدرات اللغوية أو الحسابية فقط ويهملون باقي الطلاب علي الرغم من تمتعهم بملكات وقدرات وذكاءات هائلة ولكنها للأسف ليست داخلة في نطاق الإهتمام والرعاية.
هكذا بدأ د.محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر حديثه مؤكدا أن مقاييس النجاح والتميز لدينا محدودة ونمطية ومرتبطة بالماضي، فلكل منا العديد من القدرات والذكاءات التي تكمن بداخله والتي يصعب عليه إكتشافها في نفسه أو في أبنائه، وقد أدت هذه الرؤية القاصرة والمختزلة لأبنائنا إلي تمرد الكثيرين منهم وخروجهم عن نطاق توقعاتنا، لأنهم لسوء الحظ لديهم قدرات وذكاءات لا نعرفها نحن ولا نقدرها حق قدرها، وبما أننا في مجتمعاتنا نعلي من قيمة الطاعة والخضوع والإستسلام فإننا نتوقع منهم أن يخضعوا لرؤيتنا ويتفوقوا فيما نريده نحن بصرف النظر عما لديهم من قدرات وملكات، وهم علي الجانب الآخر يريدون شيئا آخر يشعرون بجذوره داخلهم ولكنهم لا يستطيعون تبينه لأن النظام التعليمي والإجتماعي لا يسلط الضوء عليه، وربما يفسر لنا هذا الكثير من المشكلات التي يواجهها الآباء مع أبنائهم وأيضا المدرسون مع الطلاب في المدارس... ولذلك يوضح لنا د.المهدي أنواع الذكاءات التي لا نعرفها والتي من الممكن أن يتميز بها الصغار وربما الكبار أيضا وهي:
¤ الذكاء اللفظي أو اللغوي: وصاحب هذا الذكاء نجد لديه قدرة متميزة علي القراءة وإستخدام الكلمات ببراعة للتعبر عما يريده، وهذا يعطيه قدرة علي الحديث وعلي المحاورة الذكية والدعابة التي تأتي في موعدها ومحلها، وربما نراه كاتبا مميزا أو شاعرا موهوبا أو صحفيا.
¤ الذكاء المنطقي أو الحسابي: وهذا الشخص يكون لديه قدرة مميزة علي التعامل مع الأرقام والرموز وعلي حل المشكلات الحسابية والرياضية وفهم العلاقات بين الأرقام والرموز.
¤ الذكاء البصري: حيث يظهر صاحبه تميزا في التخيل والرسم والتصميم وإستخدام الألوان والظلال، وهذا الذكاء نجده في الرسامين والنحاتين والفنانين بشكل عام ومهندسي التصميمات.
¤ الإجتماعي: حيث يتمتع صاحب هذا الذكاء بالقدرة علي فهم الآخرين وتفهم دوافعهم وإحتياجاتهم، والقدرة علي التواصل والتعامل معهم بفاعلية، وأيضا التعاون والعمل الجماعي، ولديه مهارات قيادية، ويستطيع أن يعبر للآخرين عن آرائه ويستقبل ويتفهم آراءهم، وهو في النهاية في حالة انسجام وتناغم وتعاون مع غيره من الناس، وهذا الذكاء نجده في المهتمين بالعمل الإجتماعي والسياسي والعلاقات العامة والزعماء.
¤ الذكاء التأملي: فعلي الرغم من صمت وعزلة من لديه هذا النوع من الذكاء إلا أنه لديه القدرة علي التركيز والتفكير المنطقي العميق وأيضا قدرة هائلة علي التخيل ومعالجة الأفكار والمشاعر، وهذا النوع من الذكاء نجده لدي الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس.
¤ الذكاء الجسدي أو الحركي: هنا نجد تميزا في إستخدام لغة الجسد والحركة، أي إن الشخص في هذه الحالة يمتلك موهبة خاصة في التعبير الجسدي -حركة العينين وعضلات الوجه واليدين وسائر الجسد- ولذلك يمكن أن يمارس التمثيل بأنواعه، حيث لديه القدرة علي لعب الأدوار المختلفة والتعبير بالإيماءات والإشارات والتعبير الدرامي عموما، ويمتلك أيضا هذا النوع من الذكاء أصحاب المواهب الرياضية كلاعبي الكرة والجمباز والرياضيات المختلفة.
¤ الذكاء الحدسي -الحاسة السادسة-: حيث بعض الأشخاص لديهم قدرة خاصة علي التوقع أو التنبؤ بشكل لا يمكن تفسيره أو إخضاعه للمنطق، وكأن بداخلهم بصيرة خاصة أو شفافية معينة تجعلهم قادرين علي قراءة الأحداث بشكل أكثر وضوحا من غيرهم، وصاحب هذا الذكاء هو نفسه لا يعرف كيف يتم هذا، ويتعلق بذلك أيضا بعض الظواهر النادرة مثل الإحساس بأشياء خارج نطاق الحواس وهذه موضوعات حولها نقاش وجدل كثير، ومع هذا فهي موجودة علي الندرة.
¤ الذكاء الوجداني: وهو مفهوم جديد للذكاء، ويتميز صاحبه بوعي عميق بذاته والقدرة علي قرائتها والتعبير عنها، إضافة إلي مشاعر إيجابية، مع دافعية عالية للعمل والإنجاز والتفوق، وقدرة ممتازة علي تفهم مشاعر وإحتياجات الآخرين والتعاطف معهم، وأخيرا نجد هذا الشخص يتمتع بقدر عال من المهارات الإجتماعية تتيح له فرصة متميزة من التوافق مع الناس ومع الحياة وتفتح أمامه الطرق للنجاح والتفوق، وأصحاب هذا الذكاء يتمتعون بكاريزما خاصة تجعلهم محبوبين من الناس، ومما يدعم هؤلاء الأشخاص قدرتهم الهائلة علي تحمل الإحباطات، وتفاؤلهم الواضح والمميز حتي في أصعب الظروف، وهذا يعطيهم قدرة علي إجتياز الصعاب والعقبات والوصول إلي تحقيق أهدافهم.
¤ الذكاء العملي: حيث نجد الشخص متميزا في التعامل مع الأجهزة والآلات والمعدات، ويمكن أن نكتشف هذا النوع مبكرا في مرحلة الطفولة حيث يكون الطفل قليل الكلام ولكنه مهتم بفك وتركيب الأجهزة المنزلية والأدوات الكهربائية، وإذا أحضر له أبواه لعبة فإنه سرعان ما يقوم بتفكيكها ومحاولة إعادة تركيبها، وهو يفضل التعامل مع الأشياء علي التعامل مع الناس.
¤ الذكاء الروحي: فربما نقابل في حياتنا أشخاصا نري في وجوههم صفاءا وروحانية من نوع خاص ونشعر بالإرتياح للنظر إليهم، وهذا النوع من الذكاء ينتشر بشكل خاص في القادة والزعماء، ويكون له تأثير هائل في الأتباع، وهذا التأثير ليس بسبب بلاغة في الحديث أو قدرة علي الحوار والإقناع، وإنما هو بسبب ما يشع من وجه هذا الشخص من راحة وما يصل إلينا منه من معاني الطمأنينة والصدق والرحمة.
إذن وبعد معرفتنا بكل هذه الأنواع من الذكاءات ربما نشعر إلي أي مدي كنا نختزل أنفسنا ونختزل أبناءنا حين لا نري إلا جزءا صغيرا منا ومنهم، وربما يستدعي هذا مراجعات كثيرة في نظمنا التربوية والتعليمية تضع كل هذه الأنواع من الذكاء في الإعتبار، وإذا نجحنا في ذلك فإن بإستطاعتنا تفجير طاقات هائلة من الإبداع والتميز فينا وفي أبنائنا وكأننا وقعنا علي الكنز الذي أودعه الله فينا وكنا من قبل لا نراه.
الكاتب: ريهام عبد السميع.
المصدر: جريدة الأهرام المصرية.